الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{واذكر عبدنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي والأبصر} 45 قرأ ابن كثير {واذكر عبدنا إبراهيم} واحدا وقرأ الباقون {عبادنا} جماعة وحجتهم أنه ذكر أسماءهم فقال إبراهيم وإسحق ويعقوب وهم بدل من قوله عبادنا وذلك أنه أجملهم ثم بين أسماءهم كقولك رأيت أصحابك ثم تقول زيدا وعمرا ووجه إفراد {عبدنا} أنه اختصه بالإضافة على التكرمة له والاختصاص بالمنزلة الرفيعة كما قيل في مكة بيت الله وكما اختص بالخلة في قوله واتخذ الله إبراهيم خليلا.{إنا أخلصنهم بخالصة ذكرى الدار} 46 قرأ نافع {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} مضافا وقرأ الباقون {بخالصة} بالتنوين، من نون جعل {ذكرى الدار} بدلا من خالصة بدل المعرفة من النكرة ويكون المعنى إنا أخلصناهم بذكرى الدار فموضع ذكرى جر ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعني ويجوز أن يكون رفعا بإضمار هي ذكرى كما قال تعالى {قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار} أي هي النار ومن لم ينون جعل خالصة مضافة إلى ذكرى كقولك اختصصت زيدا بخالصة خير فأراد بخالصة ذكر لا يشوبها شيء من رياء ولا غيره.{هذا ما توعدون ليوم الحساب} 53 قرأ ابن كثير وأبو عمرو هذا {ما يوعدون} بالياء وحجتهما أن الكلام أتى عقيب الخبر عن المتقين فأتبع ذلك فقال مفتحة لهم الأبواب {وعندهم قاصرات الطرف أتراب} 50 و52 فجرى الكلام بعد ذلك بالخبر عنهم إذ كان في سياقه ليأتلف الكلام على نظام واحد.وقرأ الباقون {هذا ما توعدون} بالتاء وحجتهما أن الخبر عنهم قد تناهى عند قوله {أتراب} ثم ابتدئ الكلام بعد ذلك بالخبر عن حكاية ما خوطبوا به نظير قوله يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ثم تناهى الخبر عنهم ثم جاء الكلام بعده على حكاية ما خوطبوا به فقال وأنتم فيها خالدون أي وقيل لهم: {هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج} قرأ حمزة والكسائي وحفص {وغساق} بالتشديد وكذلك في عم يتساءلون أي سيال وهو فعال من غسق يغسق أي ما يسيل من جلود أهل النار.وقرأ الباقون {وغساق} بالتخفيف وحجتهم أنه اسم موضوع على هذا الوزن مثل عذاب وشراب ونكال وفي التفسير أنه الشديد البرد.قرأ أبو عمرو {وأخر من شكله أزواج} بضم الألف وقرأ الباقون {وغساق وآخر} واحد.من أفرد فإنه عطف على قوله {حميم وغساق وآخر} أي وعذاب آخر من شكله أي مثل ذلك وحجته ما روي عن ابن مسعود أنه قال في تفسير قوله {وآخر من شكله} الزمهرير فتفسيره حجة لمن قرأ {وآخر} بالتوحيد لأن الزمهرير واحد فإن قيل لم جاز أن ينعت الآخر وهو واحد في اللفظ ب أزواج وهي جمع قيل إن الأزواج نعت للحميم والغساق والآخر فهي ثلاثة وحجة من قرأ {أخر} على الجمع أن الأخر قد نعتت بالجمع فدل على أن المنعوت جمع مثله قال سفيان لو كانت وآخر لم يقل أزواج وقال زوج وقال الزجاج من قرأ {وأخر} فالمعنى وأقوام أخر لأن قوله أزواج معناه أنواع.{وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصر} قرأ أبوعمرو وحمزة والكسائي من الأشرار {اتخذناهم} موصولة قال نحويو البصرة والجملة المعادلة لأم محذوفة المعنى أتفقدونهم أم زاغت عنهم الأبصار وكذلك قوله {أم كان من الغائبين} لأن المعنى {مالي لا أرى الهدهد} أي أخبروني عن الهدهد أحاضر هو أم كان من الغائبين وقال أبو عبيد بهذه القراءة نقول من وجهين أحدهما أن الاستفهام متقدم في قوله {ما لنا لا نرى رجالا} والوجه الآخر أن المشركين لم يشكوا أنهم اتخذوا المسلمين في الدنيا سخريا فكيف يستفهمون عن شيء علموه وفيه وجه آخر وهو أن يجعل قوله {اتخذناهم سخريا} من نعت الرجال كأنه قال ما لنا لا نرى رجالا اتخذناهم سخريا ثم رجع فقال {أم زاغت عنهم الأبصار} أي بل زاغت عنهم الأبصار.وقال السدي إن أهل النار أبا جهل وكفار قريش ذكروا ضعفاء المسلمين عمار بن ياسر وخبابا وبلالا وصهيبا الذين كانوا يستهزئون بهم في الدنيا فقالوا {ما لنا لا نرى رجالا} أي ما لنا لا نراهم في النار وكنا نعدهم من الأشرار في الدنيا فنقول لهم كنتم خالفتمونا في الدنيا فما نراكم إلا معنا في النار أم زاغت عنهم الأبصار إلى غيرهم.وقرأ أهل الحجاز والشام وعاصم {أتخذناهم} بفتح الألف وهي ألف استفهام دخلت على ألف الوصل وسقطت ألف الوصل فصار أتخذناهم ألا ترى أنه قال أم زاغت فعودلت ب أم لأنها على لفظ الاستفهام وإن لم يكن استفهاما في المعنى قال محمد بن يزيد المبرد في هذه القراءة بعض البعد لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخريا فكيف يستفهمون عن اتخاذهم سخريا وهم قد علموا ذلك يدل على علمه به أنه قد أخبر عنهم بذلك في قوله فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري ولكن نقول إنما الاستفهام على معنى التقرير كأنهم اعترفوا.وقال الفراء هو من الاستفهام الذي معناه التوبيخ والإنكار على أنفسهم كما يقول القائل وقد ضرب ولده ثم ندم ماذا فعلت أضربت ابني وهو غير شاك أنه قد ضربه وجتهم أن مجاهدا قرأ بالاستفهام وقال {أتخذناهم سخريا} وليسوا كذلك أم هم في النار ولا نراهم.قرأ نافع وحمزة والكسائي {سخريا} بالرفع وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان وقد ذكرنا في قد أفلح.{قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} قرأ عاصم وحمزة {قال فالحق} بالضم والحق بالنصب وقرأ الباقون بالنصب فيهما؛ من نصب الحق الأول كان منصوبا بفعل مضمر وذلك الفعل هو ما ظهر في نحو قوله {ويحق الله الحق} وقوله {ليحق الحق} وهذا هو الوجه ويجوز أن تنصب على التشبيه بالقسم فيكون الناصب للحق ما ينصب القسم في نحو الله لأفعلن فيكون التقدير والحق لأملأن فإن قلت فقد اعترض بين القسم وجوابه قوله والحق أقول فإن اعتراض هذه الجملة لا يمنع أن يفصل بين القسم والمقسم عليه لأن ذلك مما يؤكد القصة وقد يجوز أن يكون الحق الثاني الأول وكرر على وجه التوكيد.ومن رفع كان الحق محتملا لوجهين أحدهما يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره أنا الحق والحق أقول ويدل على ذلك قوله جل وعز {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} فكما جاز وصفه سبحانه بالحق كذلك يجوز أن يكون خبرا في قوله أنا الحق والوجه الثاني أن يكون الحق مبتدأ وخبره محذوفا وتقديره فالحق مني كما قال الحق من ربك. اهـ.
وقد ردّ الزمخشري على هذا الزعم قائلا:إن الأصل {حين مناصهم} ثم نزل قطع المضاف إليه من مناص منزلة قطعة من حين، لاتحاد المضاف والمضاف إليه، وجعل التنوين عوضا عن المضاف إليه، ثم بنى الحين لإضافته إلى غير متمكن. وأردف ابن هشام قائلا: والأولى أن يقال: إن التنزيل المذكور اقتضى بناء الحين ابتداء، وإن المناص معرب، وإن كان قد قطع عن الإضافة بالحقيقة، لكنه ليس بزمان، فهو ككل وبعض.- تعنّت واستكبار:أورد المفسرون قصة تاريخية بين كفار قريش ومحمد صلّى اللّه عليه وسلم سببا لنزول هذه الآية، وهي قصة طريفة، تدلك من خلالها على مبلغ العناد الذي وصلت إليه قريش، ومدى الإصرار على الباطل ومجافاة الحق. تقول القصة:لما أسلم عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- شق ذلك على قريش، وفرح بذلك المؤمنون فرحا عظيما، فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش، وهم الصناديد والأشراف، وكانوا خمسة وعشرين رجلا، أكبرهم سنا الوليد بن المغيرة: امشوا إلى أبي طالب، فأتوه وقالوا له: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، وإنما أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فأرسل إليه أبو طالب، فدعا به، فلما أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال له: يا ابن أخي، هؤلاء قومك، يسألونك السواء، فلا تمل كل الميل على قومك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وماذا يسألونني؟ قالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم؟ فقال أبو جهل: للّه أبوك، لنعطيكها وعشرا أمثالها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: قالوا: لا إله إلا اللّه، فنفروا من ذلك وقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب.
|